Image Not Found

أضرار الابتزاز الالكتروني على المجتمع العماني

حيدر بن عبدالرضا اللواتي – مجلة المجتمع والقانون

[email protected]

بدأ العام الجاري مختلفا عن الأعوام السابقة، حيث اتجه معظم الناس إلى مواجهة واحدة من أخطر الفيروسات التي تصيب الانسان وتقتله إذا لم يأخذ في الحسبان الاجراءات الاحترازية والوقائية، ألا وهو الفيروس التاجي كوفيد 19. وبالتالي انشغل العالم في مواجهة هذا الوباء، فيما تراجع قليلاً عمل عصابات الابتزاز والقراصنة الالكترونيين الذين يحاولون عكر صفة الحياة بطريقتهم الخاصة للاستفادة من أي وضع طارئ بشكل معين من خلال رسائلهم وصورهم لابتزاز الناس وخاصة ممن لا يعرف التعامل مع مثل هذه المجموعات.

في الاشهر الخمسة الاولى من العام الحالي لم تخرج إلينا الجهات المعنية بالبيانات عن حجم هؤلاء المتلاعبين في أعصاب ونفسيات الناس في المجتمع العماني وخاصة من قبل اصحاب الابتزاز الالكتروني، إلا أن تلك العصابات تمكنت خلال السنوات الماضية من ابتزاز الكثير من الشباب والفتيات وغيرها من الفئات الاخرى بهدف الحصول على الأموال النقدية والمنافع الاخرى مقابل السكوت وعدم افتضاح ضحاياهم والتحدث عن علاقاتهم المشبوهة أو عن أمر آخر يهم حياتهم الاجتماعية والأسرية والاقتصادية.

الابتزاز أمر خطير، ومن هذا المنطلق وفرت شرطة عمان السلطانية ضمن دائرة مكافحة الجرائم الاقتصادية قسماً خاصا للابتزاز والاحتيال الإلكتروني مع نشر أرقام الاتصالات معها، وسنت الدولة من جانبها عدة تشريعات حول جرائم الابتزاز الإلكتروني في السلطنة. ويُعرّف القانون العماني الابتزاز الإلكتروني بأنه تهديد ‏شخص ‏أو ابتزازه لحمله على القيام بفعل أو امتناع ولو كان هذا ‏الفعل أو الامتناع عنه مشروعاً، فيما يحدد قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات في مادته الثامنة عشر على أن من يرتكب هذه الجريمة يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن ثلاث سنوات، ودفع غرامة لا تقل عن ألف ريال عماني ولا تزيد عن ثلاثة آلاف ريال عماني. كما يمكن أن يواجه المتهم بهذه الجريمة العقوبتين معاً السجن والغرامة.

الابتزاز الالكتروني مستمر في العالم وخاصة في دول المنطقة نتيجة لدخول المزيد من الاشخاص من الجنسين في بعض برامج التواصل الاجتماعي، الأمرالذي يؤدي بالجاهلين الوقوع في مصيدة هؤلاء العصابات، وحدوث المشاكل المالية والاجتماعية والنفسية لهم لعدم قدرتهم في مواجهة النتائج السلبية للابتزاز. وتشير المصادر الالكترونية إلى أن معظم عصابات الابتزاز – وللاسف الشديد- هم من الجنسيات العربية التي تعيش بعضها بالمملكة المغربية وفق موقع “واجه” https://www.faceblackmail.com/extortion-from-morocco/ ودول أخرى في الشرق الاوسط. كما أن بعض أصحاب الابتزاز هم من الأصدقاء والاقارب نتيجة لامتلاكهم لبعض المعلومات والصور الخاصة للآخرين. وقد أدى الافراط في استخدام بعض برامج التواصل الاجتماعي في المنطقة إلى استدراج الشباب وإغرائهم من خلال الوسائل الجنسية والصور الشخصية وإلى ابتزازهم لاحقا بسبب المعلومات والفيديوات التي استولى عليها العصابات للممارسات غير الأخلاقية لهم، الأمر الذي جعلهم في الرعب والخوف من العار والفضيحة والمشاكل النفسية.

إن تواجد الشباب العماني في التواصل الاجتماعي ينمو كل عام، وتشير احصاءات المركز الوطني للسلامة المعلوماتية (عمان الرقمية) إلى أن تواجدهم في شبكات ووسائل التواصل الاجتماعي يزيد عن 57% ممن تبلغ أعمارهم ما بين 16 إلى 24 في السلطنة من إجمالي الاشخاص الذين يمتلكون هذه الاجهزة. وأن حوالي 86% من العمانيين يستخدمون حسابات في الفيس بوك، و80% لديهم اتصالات عبر واتس اب، في حين أن 40% لديهم حسابات في جوجل وانستجرام و36% في تويتر وغيرها من البرامج الاخرى. وهذه الارقام تتغير في كل فترة ومرحلة. كما أن هذه الارقام لا تبتعد كثيرا عن بيانات بقية الدول الخليجية والعربية الأخرى، حيث أن جميع أبناء المنطقة لديهم حسابات في مواقع مماثلة.

من جابنها، تشير بعض بيانات وزارة التقنية والمعلومات التي نشرتها الصحف العمانية إلى أن الفئة العمرية ما بين 15 – 45 سنة هي الأكثر تعرضا لحالات الابتزاز الإلكتروني في السلطنة وبنسبة تصل إلى 53.4% من إجمالي المتعاملين، وان حوالي 70% من الحالات المسجلة من الذكور و30% من الإناث. وقد سبق لإحدى الجرائد الامريكية (نيويورك تايمز) أن أشارت قبل عدة أشهر أنه من بين كل 100 شخص يستخدم الإنترنت، يتعرض واحد منهم للابتزاز الإلكتروني وبعدة طرق، سواء عبر تسجيل صوتي أو فيديو أو صور أو حتى رسائل مكتوبة. أما في المجتمع العربي فنجد أنه نتيجة للخوف والفضيحة يتصرف الشباب بتلبية مطالب هؤلاء المبتزين دون اللجوء إلى طلب المساعدة من أهاليهم، أو الجهات الأمنية، الأمر الذي يحقق مطالب المبتزين أحيانا، بل يؤدي ببعض الذين وقعوا في هذا الفخ التفكر في الانتحار أو إيذاء النفس أو التعرض للاضطرابات النفسية.

وتقوم وزارة التقنية والمعلومات من جابنها باستقبال البلاغات بهذا الشأن عبر المركز الوطني للسلامة المعلوماتية وتعمل على مساعدة الاشخاص بالتنسيق مع الجهات المعنية الاخرى، مع توجيه المتصلين وتقديم العون لهم في بعض الجوانب التقنية والفنية. والوزارة تؤكد في هذا الصدد على ضرورة توحيد الجهود بين مختلف شرائح المجتمع العماني للتصدي لهذه المحاولات والآفة التي يواجهها المجتمع، وضرورة بث التوعية والثقافة الرقمية حول الاستخدامات الإيجابية لتقنيات المعلومات والاتصالات وتجنب الاستخدامات السلبية لها، مع العمل على تنظيم المزيد من الدورات لأفراد الأسر والشباب وطلبة المدارس والمجتمع المدني لتثقيفهم وتعريفهم بالمزيد حول قضايا الابتزاز الالكتروني.

إن هذه الجرائم (السيبرانية) هي امتداد طبيعي للنشاط الإجرامي العادي، باعتباره يهدد ويرهب بعض الضحايا التي تتعامل مع برامج الكترونية. ومن خلال تلك البرامج يتم تسريب المعلومات والصور والبيانات الخاصة للأفراد، الأمر الذي يدفع المبتزين إلى مطالبة الضحايا بدفع مبالغ مالية فورية، أو استغلالهم للقيام بأعمال غير مشروعة كالإفصاح عن معلومات سرية لجهات أو شخصيات معينة. وتتم جميع هذه العمليات من خلال الشبكات الاجتماعية المعروفة بين الشباب والشابات.

إن كل ما نأمله من الشباب والاشخاص الذين يتعاملون ببرامج معينة عدم الاستجابة لأي طلبات صداقة غير معروفة تأتي إليهم من الاخرين، وحظر اي شخص يرسل رسائل غريبة ومشبوهة تحمل في طياتها الاغراءت الجنسية وغيرها، مع العمل على تأمين الحساب بشكل جيد حتي لا يتم اختراقه. كما من الضروري من المتسخدمين لتلك البرامج والاجهزة ومواقع التواصل الاجتماعي عدم وضع المعلومات السرية والخصوصية في رسائلهم، وعدم ارسال الصور الخاصة بهم لاشخاص غير موثوق فيهم بحيث لا يتم استغلالهم لاحقا.

هذه المحاولات من قبل المبتزين سوف لا تتوقف، الأمر الذي يتطلب تعزيز مجالات التوعية، والابلاغ فورا عن الحوادث التي تتعلق بالابتزاز الالكتروني للجهات المعنية. فشباك الخديعة والفخ لهذه العصابات تتجدد كل مرة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والثورة التقنية، بهدف الثراء السريع وجني الاموال القذرة من الضحايا. وتقع المسؤولية الأولى على أفراد الأسرة لتنبيه أولادهم وبناتهم ومراقبة سلوكهم وتعاملهم مع هذه الأجهزة والبرامج التي يتعاملون معها.